ينشغل البعض بالشاي، تزامناً مع لقاء قمة بين حزب الله وحماس، يتزامن بدوره مع لقاء قمة بين القيادتين الإيرانية والتركية للإعلان رسمياً عن تحالفهما الاستراتيجي.
وسائل الإعلام السياسية حرضت بأسلوب ومضمون تقليديين جدا على زيارة هنية، لكن الزيارة أخرجت إلى العلن – في الواقع، تجدّد التحالف بين حزب الله وحماس بعد نكسة الأزمة السورية. لا بدّ هنا من معالجة الحدث وفق ثلاثة مستويات:
أولاً، تمثل حماس ثقلاً كبيراً جداً بين الإسلاميين في المخيمات الفلسطينية التي كان خصوم الحزب يعوّلون عليها لإقلاق راحته أمنيا من حديقته الخلفية. وتمثل حماس في السياق نفسه حركة إلهام لكثير من المجموعات الإسلامية التي تحاول أن تنشأ هنا وهناك. انعطافة حماس باتجاه المصالحة العلنية مع حزب الله تمثّل أكبر ضربة موجعة يمكن أن تلحق بمشروع التوتير المذهبي الأميركي – الخليجي، وهي تسحب بهذا السياق أكثر من فتيل لصواعق تفجير استغرق إعدادها أكثر من عشر سنوات. ولا بد من الأخذ بالاعتبار أنّ المصالحة مع حماس سبقها توطيد حزب الله لتحالفه مع تيار المستقبل. وعليه فإنّ حزب الله يعيش اليوم ارتياحاً محلياً لم يعرفه منذ عام 2005، لجهة الصراع المذهبي السني – الشيعي. لقد نزع حزب الله أكبر فتيلي تفجير للعلاقة السنية – الشيعية، في الوقت الذي ينشط سمير جعجع لمحاولة إحلال الفتنة المسيحية الشيعية محل الفتنة السنية الشيعية عبر شعارات فارغة وخطابات منتهية الصلاحية. وإذا كانت الانتخابات النيابية المبكرة مطلباً “جعجعياً” – أميركياً – خليجياً، فما عليكم اليوم سوى تخيل نتيجة هذه الانتخابات سواء في الضنية – المنية – طرابلس أو في بيروت أو صيدا أو في إقليم الخروب – الشوف في ظل تحالف حزب الله والجماعة الإسلامية.
ثانياً، مثّلت حماس وما تزال، منذ بداية الحرب السورية، حجر الزاوية في بناء التنظيمات المتعدّدة المقاتلة في المناطق الحساسة في سوريا. ولا شكّ أنّ تفاهم حزب الله وحماس اليوم بهذا الشكل العلني الواضح هو إعلان رسمي عن إنهاء جزء كبير من التفاهمات السورية التي بدأت منذ أن عادت المياه إلى مجاريها بين حزب الله وحماس قبل مدّة. مع الأخذ بالاعتبار دائماً أنّ قنوات الاتصال الجديّ لم تنقطع بين حزب الله وحماس رغم كل ما شهدته سوريا.
ثالثاً، تتويج التفاهمات الإيرانية – التركية بالمفرق عبر لقاء القمّة الذي جمع القيادتين التركية والإيرانية هو أهم، وليس من أهم، حدث سياسي في الأسابيع الأخيرة. الإثنان من أبرز اللّاعبين الإقليميين في سوريا، ولا شكّ أنّ انتقالهما من عدم التصادم في سوريا إلى التفاهم هناك سيكون له أثرٌ كبير. تفاهمهما في الملف العراقي يلحق ضرراً كبيراً بخصومهما المشتركين. أمّا لبنانياً، فيكفي القول إن استعداد كل من قطر وتركيا للمساعدة لم يكن وارداً في السابق، لكنّه حاضر بقوّة منذ لحظة انفجار المرفأ، وهو لا شكّ سيدفع بفرنسا إلى فعل المزيد للحؤول دون اضطرار الدولة اللّبنانية إلى طلب مساعدات تركية – قطرية معجلة مكرّرة. ولا بدّ هنا من سياسة براغماتية جريئة تأخذ بالاعتبار حرص فرنسا الكبير على عدم تقديم لبنان أي “هديّة” للأتراك. مع العلم أنّ كلّ فراغ سعودي، مهما كان كبيراً أو صغيراً، يستعجل الأتراك لملئه بنجاح باهر.
الأسبوع السابق، كان أسبوع الفرنسيين في لبنان. هذا الأسبوع كان أسبوع الأتراك في لبنان. التقدم التركي لملء الفراغ السعودي في عدّة مناطق لبنانيّة يقلق السوريين بعض الشيء لكنه لا يقلق حزب الله. الحزب يعرف انّ قدرة الإيراني على التفاهم مع التركي أكبر من قدرته على التفاهم مع أي دولة أخرى، لأنّ ما يجمع.. الجمهوريتين الإسلاميتين كبير وعميق وأساسيّ وصلب…
كيف يرد المحور السعودي – الإماراتي على هذا كلّه؟ حاول هذا المحور إحلال بعض المرتزقة محلّ الحريري لكنّهم لم يقلعوا بأي شكل، فلم يبقَ له غير استنهاض جبهة مسيحية جديدة قديمة تضم جعجع وبقايا الكتائب ممثلة بالنائب السابق سامي أمين الجميل وعدّة العمل التقليدية للتحريض الشيعي – المسيحي، فيعود هؤلاء إلى وظيفتهم التحريضية بعد أكثر من خمس سنوات على الوقوف بعيداً متفرجين. يثير هؤلاء ضوضاء كبيرة لكن توتير العلاقة الشيعية – المسيحية تبدو مجرّد تفصيلاً صغيراً جداً إذا ما قورنت بإخماد التوتر الشيعي – السني. زوابع جعجع في فناجين قهوته وفارس سعيد لا تقارن من قريب أو بعيد بالبراكين الحقيقية التي نجح حزب الله هذا الأسبوع بالإعلان عن إخمادها. يمكن جعجع وصحبه أن يرفّهوا عن بعض حكام الخليج عقب الانتكاسة النفسية من خسارتهم المدوّية؛ يمكن لهم محاولة شغل الرأي العام عن حقيقة ما يحصل؛ لكن فلنكن واقعيين: هناك من يفكر ويخطط للسنوات المقبلة، وهناك من هو أسير اللحظة. رسمياً؛ طوى حزب الله والبلد والاقليم مرحلة.
ملاحظة: ما سبق لا يعني أن العلاقة الشيعية – المسيحية لا تستوجب التفاتة كبيرة من حزب الله، لأنّ العتب الصادق والصديق كبير، بعيداً عن جعجعة سامي وسمير وصحبهما.
غسان سعود